أطفئوا هذه الحرب | شعر

نازحون من مخيّم المغازي إلى رفح بسبب القصف الإسرائيليّ، 11/01/2023 | عبد زقّوت.

 

الحرب

هذه النار العالية مَنْ وزّع عليها لحمنا؟

مَنْ قال للريح أنّنا أوراق؟

مَنْ قال للحزن أنّنا الخريف؟

مَنْ قال للحياة أنّنا قطع دومينو؟

مَنْ لعِب في القصّة؟

مَنْ قال أنّ الأطفال يموتون؟

وكيف يموت الأطفال؟

 

رائحة الشوكولا الّتي تملأ الدنيا

هذا الشفق المستمرّ

هذه الأحلام الّتي تسقط من السماء

رائحة الياسمين الّتي تلمع

أصوات الأطفال الّذين كانوا مثل النمل يركضون على بوّابات المدارس

الشوارع الّتي تبكي طيلة الوقت

البيوت الّتي عاشتْ عمرًا طويلًا تسبح في القصص

ماذا حصل لها حتّى نامت هكذا؟

كيف تنام البيوت على أصحابها وتكسّر عظمهم؟

كيف حصلت هذه الخيانة؟

كيف يسقط السقف على عيونٍ ذابت فيه لأعوامٍ وأعوام؟

 

كيف انشقّ الشارع؟

كيف صار رملًا هكذا؟

 

كيف انهارت المدرسة؟

كيف صار كلّ هذا الدم؟

 

ما هذه الرائحة؟

كيف خانتنا؟

كيف وقفت هكذا مبتعدة؟

أين أطباق الأمّهات؟

أين رائحة الغسيل والسمّاقيّة والرمّانيّة والسلطة الحارّة؟

أين الرائحة؟

 

ما هذه الخيام؟

ماهي لغتها؟

كيف نتحدّث إليها؟

كيف نرتّب موعدًا حقيقيًّا للفهم؟

 

كيف جفّ الماء؟

كيف انقطعت الاتّصالات؟

كيف نبكي؟

لماذا لا نبكي؟

هل نحن دمعةٌ بالأساس؟

 

 

أقدامٌ لا تستطيع الوصول

أريد عينين باستطاعتهما البكاء طيلة الوقت

وأقدامًا بإمكانها الوصول لشيءٍ لا أعرفه

فهناك شيءٌ لا نعرفه نريد أن نعود إليه

مثلما تعود البراري لطبيعتها

فتصرخ

مثلما تعود الابتسامات لطبيعتها

فتتخفّى

مثلما تعود الشوارع لطبيعتها

فتتذكّر أقدام العابرين

 

أريد شيئًا أعود إليه

وبابًا خلفيًّا للهرب

أريد عناقًا مع كلّ الأشياء الّتي فقدتُها دفعةً واحدة

وعليه فإنّني أريد بئرًا من الأيادي والأجساد

أريد عودًا أستند عليه

وطريقًا أمشي إليه

ودمعةً أضع فيها كلّ المرافئ الدافئة والحكايات

علّها تذوب

علّ الملح الذائب فيها

يصبح شيئًا جديدًا

حتّى لو أصبح دميةً

سأحبّها

 

أريد شاطئًا

أحبّه ويحبّني

ويحبّنا

أريد ضوءًا

لا يشعّ

ولا يدخل في مكان

أريده حقيقيًّا

أريده أن يبني

أن يعيد شيئًا

أن يتّجه نحونا

 

أريد أن يعود طفلٌ واحدٌ للحياة

ولو جاء مغبّشًا

وباكيًا

أريده أن يأتي

أريد أن أركض

نحو شيءٍ ما

ليس غابةً

ليس بحرًا

ليس قصّةً

إنّما فكرةٌ

فكرةٌ واحدةٌ عن الأمان

اختفتْ في بئرٍ من الموتى

واليتامى

 


 

نور بعلوشة

 

 

 

كاتبة فلسطينيّة من قطاع غزّة، تقيم في السويد؛ تعمل في مجال حقوق الإنسان؛ حاصلة على ماجستير في الشرق أوسط من «جامعة ستوكهولم»، وهي عضو «اتّحاد كتّاب فلسطين».